إدارة الشئون الفنية
انتشار الأمراض تنبيهات وعظات

انتشار الأمراض تنبيهات وعظات

14 فبراير 2020

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 20 من جمادى الآخرة 1441هـ - الموافق 14 / 2 / 2020م

انْتِشَارُ الْأَمْرَاضِ تَنْبِيهَاتٌ وَعِظَاتٌ

إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102]، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا( [النساء:1]، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب:70-71].

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ:

إِنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ، وَأَمَرَهُمْ بِتَقْوَاهُ وَطَاعَتِهِ، فَمَنْ أَطَاعَهُ رَشَدَ وَاهْتَدَى، وَمَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ ضَلَّ وَغَوَى؛ قَالَ سُبْحَانَهُ: ) فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى( [طه:123-124].

فَمَنْ كَانَتْ دُنْيَاهُ فِي طَاعَةِ اللهِ أَبْدَلَ اللهُ خَوْفَهُ أَمْنًا وَجَعَلَ قَلْبَهُ فِي رَاحَةٍ وَطُمَأْنِينَةٍ، وَمَنْ كَانَتْ دُنْيَاهُ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ لَا يَخَافُ اللهَ وَلَا يَرْجُوهُ، هَمُّهُ الدُّنْيَا وَالْبَحْثُ عَنْهَا، لَا صَلَاةَ وَلَا زَكَاةَ وَلَا ذِكْرَ وَلَا قُرْآنَ، يَتَقَلَّبُ بَيْنَ الْمَعَاصِي وَالْكُفْرَانِ، فَهَذَا مُعَرَّضٌ لِعُقُوبَةِ اللهِ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْعُقُوبَاتِ وَالْبَلَاءِ، فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَخَافَ اللهَ وَلَا يَأْمَنَ مَكْرَهُ فَيُصِيبَهُ مَـا أَصَابَ الْأُمَمَ الْمُعَذَّبَةَ قَبْلَهُ؛ قَالَ تَعَالَى: )وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ  ( [الأعراف:96-99].

عِبَادَ اللهِ:

نَسْمَعُ بَيْنَ الْحِينِ وَالْآخَرِ بِانْتِشَارِ أَمْرَاضٍ وَأَوْبِئَةٍ، أَمْرَاضٍ تَتَجَدَّدُ وَتَنْتَشِرُ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ فِي أَضْيَقِ نِطَاقٍ، وَأَمْرَاضٍ جَدِيدَةٍ لَمْ تُعْرَفْ فِي أَسْلَافِنَا مِنَ الْأُمَمِ، وَيَغْفُلُ النَّاسُ لِلْأَسَفِ عَنْ أَنَّ انْتِشَارَ مِثْلِ هَذِهِ الْأَمْرَاضِ إِنَّمَا هُوَ ابْتِلَاءٌ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ، وَقَدْ يَكُونُ عُقُوبَةً لِمَنْ تَرَكَ الطَّاعَاتِ وَانْغَمَسَ فِي اللَّذَّاتِ؛ عَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا- قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ: »عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ « [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].

 وَمَنْ رَأَى مِثْلَ هَذِهِ الْعُقُوبَاتِ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأُمَمِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّعِظَ وَيَرْجِـعَ إِلَى اللهِ بِالتَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ لِئَلَّا يُصِيبَهُ مَا أَصَابَهُمْ؛ قَالَ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَذَابَ قَوْمِ لُوطٍ: )فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ  ( [هود:82-83]، فَعَذَابُ اللهِ لِغَيْرِنَا مِنَ الْأُمَمِ مِنْ مُوجِبَاتِ زِيَادَةِ خَوْفِنَا مِنْ رَبِّنَا، وَنَدْعُوهُ سُبْحَانَهُ أَنْ لَا يُعَذِّبَنَا كَمَا عَذَّبَهُمْ؛ لِذَلِكَ قَالَ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَوْمِهِ: )وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ  ( [هود:89]، وَقَدْ بَيَّنَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مِنْ عُقُوبَاتِ اللهِ تَعَالَى لِمَنْ أَضَاعَ أَمْرَهُ: انْتِشَارَ أَمْرَاضٍ فِيهِمْ لَمْ تَكُنْ فِيمَا مَضَى مِنْ سَابِقِيهِمْ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: »يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ« [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ].

فَارْتِكَابُ الْفَوَاحِشِ بِأَنْوَاعِهَا، وَإِعْلَانُهَا وَالْمُجَاهَرَةُ بِهَا مِنْ أَسْبَابِ فُشُوِّ الْأَمْرَاضِ وَانْتِشَارِهَا، عَافَانَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ.

إِخْوَةَ الإِسْلَامِ وَالإِيمَانِ:

يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْأَمْرَاضَ وَالْأَوْبِئَةَ مِنْ جُنُودِ اللهِ تَعَالَى: )وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ  ( [المدثر:31]، مُسَخَّرَةٌ وَمُدَبَّرَةٌ بِأَمْرِهِ سُبْحَانَهُ، لَا تَخْرُجُ عَنْ مُلْكِهِ وَقُوَّتِهِ وَجَبَرُوتِهِ وَسُلْطَانِهِ وَإِرَادَتِهِ؛ لِذَلِكَ لَا يَجُوزُ سَبُّهَا وَلَعْنُـهَا، وَإِنْ كَانَ يُشْرَعُ مُكَافَحَتُهَا وَمُعَالَجَتُهَا؛ وَنَبِيُّـنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ سَبِّ الْحُمَّى وَلَعْنِهَا؛ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ أَوْ أُمِّ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ: »مَا لَكِ يَا أُمَّ السَّائِبِ أَوْ يَا أُمَّ الْمُسَيَّبِ تُزَفْزِفِينَ «؟ [أَيْ: تَرْتَعِدِينَ مِنَ الْبَرْدِ]، قَالَتِ: الْحُمَّى لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا، فَقَالَ: »لَا تَسُبِّي الْحُمَّى؛ فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ«، فَاللهُ تَعَالَى يُصِيبُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ بِمَا شَاءَ مِمَّا يُقَدِّرُهُ اللهُ عَلَيْهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِسَبِبِ ذُنُوبِ الْعَبْدِ وَتَقْصِيرِهِ فِي حَقِّ رَبِّهِ، )وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ  ( [الشورى:30]، وَتَرَى بَعْضَ النَّاسِ مَعَ الأَسَفِ يُكْثِرُ مِنَ الضَّحِكِ وَالِاسْتِهْزَاءِ وَالتَّعْلِيقَاتِ السَّاخِرَةِ عَلَى هَذِهِ الأَمْرَاضِ أَوْ عَلَى مَنِ انْتَشَرَتْ عِنْدَهُ، وَلَا يَسْتَشْعِرُ خُطُورَةَ الأَمْرِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِبَعِيدٍ عَنْهُ أَنْ يُصِيبَهُ مَا أَصَابَهُمْ؛ قَالَ تَعَالَى: )أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ( [الأعراف:100].

وَعَلَى الْعَبْدِ إِذَا رَأَى مُصَابَ قَوْمٍ أَنْ يَدْعُوَ بِمَا وَرَدَ؛ فَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: »مَنْ رَأَى صَاحِبَ بَلَاءٍ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا، إِلَّا عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَاءِ كَائِنًا مَا كَانَ مَا عَاشَ« [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ].

عِبَادَ اللهِ:

إِذَا عَلِمَ الْعَبْدُ أَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ بِيَدِ اللهِ، وَأَنَّ هَذِهِ الْعُقُوبَاتِ جُنُودُ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَلْتَجِئَ إِلَيْهِ وَيَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ، وَيَسْأَلَهُ تَعَالَى الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ: )قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً( [الأحزاب:17]، وَأَنْ يُكْثِرَ الْعَبْدُ مِنْ طَاعَةِ رَبِّهِ بِأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ وَجَمِيعِ الْقُرُبَاتِ، فَمَنْ حَفِظَ اللهَ تَعَالَى فِي طَاعَتِهِ وَاتَّبَعَ أَمْرَهُ: حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى فِي دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، »احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ«، فَإِنْ أُصِيبَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ، وَكَفَّارَةٌ لِذُنُوبِهِ وَتَكْفِيرٌ لِسَيِّئَاتِهِ، أَوْ رِفْعَةٌ لِدَرَجَاتِهِ، إِذَا قَابَلَ ذَلِكَ بِالصَّبْرِ وَالِاحْتِسَابِ؛ فَعَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

وَاعْلَمُوا -عِبَادَ اللهِ- أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّسَاهُلُ فِي نَشْرِ الْإِشَاعَاتِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ، فَيَزْدَادَ النَّاسُ خَوْفًا إِلَى خَوْفِهِمْ، وَيَجِبُ رَدُّ الْأُمُورِ إِلَى أَهْلِ الِاخْتِصَاصِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ؛ قَالَ تَعَالَى: )وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا   ( [النساء:83].

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الأَمِينُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً مَزِيدًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى؛ فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.

إِخْوَةَ الإِسْلَامِ وَالإِيمَانِ:

لَقَدْ شَرَعَ اللهُ لِعِبَادِهِ تَحْصِينَاتٍ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْأَدْوَاءِ، مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَهُ اللهُ فِي حِلِّهِ وَتَرْحَالِهِ، وَمَنْ تَسَاهَلَ فِيهَا وَتَرَكَهَا فُـتِحْتَ عَلَيْهِ أَبْوَابٌ مِنَ الشُّرُورِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، فَكَمْ يَدْفَعُ اللهُ عَنْكَ مِنَ الْبَلَاءِ وَأَنْتَ لَا تَشْعُرُ بِسَبَبِ مُحَافَظَتِكَ عَلَى هَذِهِ التَّحْصِينَاتِ!! وَمِنْ ذَلِكَ: الْمُحَافَظَةُ عَلَى أَذْكَارِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ؛ فَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ حِفْظِ الْعَبْدِ مِنَ الشُّرُورِ وَالْأَمْرَاضِ وَالشَّيَاطِينِ؛ فَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ« [رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ]. وَعَلَيْهِ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى دُعَاءِ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَنْزِلِ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: »إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، قَالَ: يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ «؟! [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ]، وَأَنْ يُحَافِظَ عَلَى قِرَاءَةِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَالْمُعَوِّذَاتِ فِي كُلِّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خُبَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: »خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ لَنَا فَأَدْرَكْنَاهُ فَقَالَ: أَصَلَّيْتُمْ؟ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا فَقَالَ: قُلْ! فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ: قُلْ! فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: قُلْ! فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ « [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ]. وَاحْرِصْ عَلَى قِرَاءَةِ آخِرِ آيَتَيْنِ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ؛ فَإِنَّهُمَا تَكْفِيَانِ الْعَبْدَ مِنَ الْبَلَاءِ؛ فَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ».

عِبَادَ اللهِ:

أَكْثِرُوا مِنْ سُؤَالِ اللهِ تَعَالَى الْعَافِيَةَ؛ فَهِيَ وَصِيَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَدْ قَالَ لَهُ: »يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّ رَسُولِ اللهِ، سَلِ اللهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ« [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ]، وَمِنَ الصِّيَغِ الْوَارِدَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ: مَا جَاءَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُ هَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ: »اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي « [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].

وَمِنَ الْأَدْعِيَةِ الَّتِي كَانَ يَقُولُهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاسْتِعَاذَةِ مِنَ الْأَمْرَاضِ: مَا رَوَاهُ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: »اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَمِنْ سَيِّئِ الْأَسْقَامِ« [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَهُوَ صَحِيحٌ].

فَأَكْثِرُوا -عِبَادَ اللهِ- مِنْ ذِكْرِ اللهِ، وَالْتَجِئُوا إِلَيْهِ فَالْأَمْرُ بِيَدَيْهِ.

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الأَرْبَعَةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَالأَئِمَّةِ الحُنَفَاءِ المَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ وَأَهْلَهُ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِليْنَا الإِيمَانَ وزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الكُفْرَ وَالفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وَاجْعَلْنا يَا رَبَّنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، وَأَحْسِنْ خَاتِمَتَنَا فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا وَأَجِرْنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَ الْبِلَادِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ أَعْمَالَهُمَا فِي طَاعَتِكَ وَرِضَاكَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

الرقعي - قطاع المساجد - مبنى تدريب الأئمة والمؤذنين - الدور الثاني